تسمى "الفاتحة" لانه تفتتح بها القراءة
في الصلوات، ويقال لها أيضاً "أُم الكتاب"
ولها أسماء منها "الحمد" و"الشفاء"
و"الواقية" و"الكافيه" و"أساس
القرآن".
قال
البخاري: "وسميت - أُم الكتاب - لأنه يبدأ
بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في
الصلاة".
وقال
الطبري: والعرب تسمي كل جامع أمراً أو مقدم
لأمر "أُمّاً "فتقول للجلدة التي تجمع
الدماغ "أم الرأس" ويسمون لواء الجيش
ورايتهم التي يجتمعون تحتها "أمّاً " قال
ذو الرمّة:
على رأسه
أمٍّ لنا نقتدي بها * جماع أمور ليس نعصي لها
أمراً
روى
الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه
عليه وسلم أنه قال في أُم القرآن: "هي أُم
القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن
العظيم" ورواه ابن جرير أيضاً بنحوه.
"ما
ورد في فضل سورة الفاتحة"
أولا:
عن أبي سعيد بن المعلَّى رضي اللّه عنه قال:
"كنت أصلّي فدعاني رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم فلم أجبه حتى صلّيت، قال: فأتيته،
فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قال: قلت يا رسول
اللّه إني كنت أصلي، قال: ألم يقل اللّه تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول
إذا دعاكم لما يحييكم}؟ ثم قال: لأعلمنك أعظم
سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال:
فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا
رسول اللّه إنك قلت لأعلمنَّك أعظم سورة في
القرآن، قال: نعم {الحمد للّه رب العالمين} هي
السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته"
(أخرجه أحمد ورواه البخاري وأبو داود
والنسائي وابن ماجة)
ثانيا:
وعن أُبيّ بن كعب رضي اللّه عنه أن رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما أنزل اللّه في
التوراة ولا في الإنجيل مثل "أم القرآن"
وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين
عبدي نصفين" (رواه الترمذي والنسائي عن أبي
هريرة عن أُبي بن كعب) هذا لفظ النسائي.
ثالثا:
وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: "كنّا
في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إنَّ
سيّد الحي سليم (أي لديغ) وإنَّ نفرنا غُيَّب
فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه (ما
كنا نأبنه: أي نعيبه أو نتهمه) برقيه، فرقاه
فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبناً،
فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن؟ أو كنت ترقي؟ قال:
لا، ما رقيتُ إلاّ بأثم الكتاب، قلنا: لا
تحدثوا شيئاً حتى نأتي أو نسأل رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم فلما قدمنا المدينة ذكرناه
للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: "وما كان
يدريه أنها رُقْية؟ إقسموا واضربوا لي بسهم"
(رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وفي بعض
روايات مسلمز أن (أبا سعيد الخدري) وهو الذي
رقى ذلك اللديغ) .
رابعاً:
وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: بينا رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعنده جبريل، إذ
سمع نقيضاً فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء
فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال:
فنزل منه ملك، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم
فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌ
قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم
تقرأ حرفاً منها إلا أوتيته" (رواه مسلم
والنسائي عن ابن عباس. ومعنى قوله (نقيضا) أي
صوتاً) .
خامساً:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
اللّه عليه وسلم قال: " من صلى صلاة لم يقرأ
فيها بأم القرآن فهي خِداجٌ - ثلاثاً - غير
تمام" فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء
الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: قال
اللّه عزّ وجلّ "قسمت الصلاة بيني وبين
عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد
لله رب العالمين} قال اللّه: حمدني عبدي، وإذا
قال: {الرحمن الرحيم} قال اللّه: أثنى عليَّ
عبدي، فإذا قال: {مالك يوم الدين} قال: مجّدني
عبدي، وقال مرة: فوّض إليّ عبدي، فإذا قال: {إياك
نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي
ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط
المستقيم.صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب
عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما
سأل" (رواه مسلم عن أبي هريرة)
"الكلام
على ما يختص بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة"
أولا:
أطلق فيه لفظ "الصلاة" والمراد القراءة
كقوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}
أي بقراءتك، فدل على عظم القراءة في الصلاة،
وأنها من أكبر أركانها، كما أطلق لفظ القراءة
والمراد به الصلاة في قوله {وقرآن الفجر}
والمراد صلاة الفجر.
ثانيا:
واختلفوا في مسألة وهي: هل تتعيّن للقراءة في
الصلاة فاتحة الكتاب أم يجزىء غيرها؟
على قولين مشهورين:
ا - فعند
أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه أنها لا تتعين،
بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه، واستدلوا
بعموم قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}
وبما ثبت في الصحيحين من حديث المسيء صلاته،
وفيه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال له: "ثم
اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن" فأمره
بقراءة ما تيسّر، ولم يعيّن له الفاتحة.
ب -
والقول الثاني أنه يعين قراءة الفاتحة، ولا
تجزىء الصلاة بدونها، وهو قول بقيه الأئمة (مالك
والشافعي وأحمد) واحتجوا بهذا الحديث " فهي
خداج" والخداج هو الناقص كما فسّر به في
الحديث "غير تمام" واحتجوا بحديث "لا
صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (رواه
الشيخان عن أبي هريرة رضي اللّه عنه) وبحديث
"لا تجزىء صلاةٌ لا يُقرأ فيها بأُم القرآن"
(رواه ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة أيضا)
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ثالثا: (مسألة)
هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم؟ فيه ثلاثة
أقوال للعلماء:
أحدها:
أنه تجب عليه قراءتها كما تجب على الإمام
لعموم الأحاديث المتقدمة.
والثاني:
لا تجب على المأموم قراءة بالكلية، لا في
الجهرية ولا في السرية لقوله عليه السلام: "من
كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" (رواه
الإمام أحمد عن جابر بن عبد اللّه وفي إسناده
ضعف)
والثالث:
تجب القراءة على المأموم في (السرية) لا في (الجهرية)
لما ثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:
"إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر
فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا" (رواه مسلم عن
أبي موسى الأشعري) .
تفسير
الاستعاذة
- 1 - قال
اللّه تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ
فاستعذ بالله إنه سميع عليم}
- 2 - وقال
تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين.
وأعوذ بك رب أن يَحضرون}.
- 3 - وقال
تعالى: {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم. وإما
ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو
السميع العليم}.
فهذه
ثلاث أيات ليس لهنَّ رابعة في معناها.
فاللّه
تعالى يأمر بمصانعة (العدوّ الأنسي) والإحسان
إليه، ليرده عنه طبعه إلى الموالاة والمصافاة.
ويأمر
بالاستعاذة من (العدوّ الشيطاني) لا محالة، إذ
لا يقبل مصانعة ولا إحسانا، ولا يبتغي غير
هلاك ابن آدم، لشدة العداوة بينه وبين أبيه
آدم كما قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو
فاتخذوه عدوا} وقال تعالى: {أفتتخذونه وذريته
أولياء من دوني وهم لكم عدو}؟
وقد أقسم
لآدم وكذب عليه، فكيف معاملته لنا وقد قال: {فبعزتك
لأغوينهم أجمعين}؟ وقالت طائفة من القراء:
يتعوذ بعد القراءة، واعتمدوا على ظاهر سياق
الآية. والمشهور الذي عليه الجمهور: أن
الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع
الموسوس عنها، ومعنى الآية {فإذا قرأت القرآن}
أي إذا أردت القراءة، كقوله تعالى: {إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا} أي إذا أردتم القيام،
ويدل عليه ما روي أن النبي صلى اللّه عليه
وسلم كان إذا قام من الليل استفتح صلاته
بالتكبير والثناء ثم يقول:" أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه
ونفخه ونفثه" (رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري
وأخرجه أصحاب السنن الأربعة)
ومعنى:
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أي
أستجير بجناب اللّه من الشيطان الرجيم أن
يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدّني عن فعل ما
أُمرت به، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا
اللّه، والاستعاذة: هي الإلتجاء إلى اللّه
تعالى من شر كل ذي شر، والعياذة تكون لدفع
الشر، واللياذُ يكون لطلب الخير كما قال
المتنبي:
يا من
ألوذُ به فيما أؤمله * ومن أعوذ به ممّا أحاذره
لا يجبرُ
الناسُ عظماً أنت كاسره * ولا يهيضون عظما أنت
جابره
و (الشيطان)
في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد
بفسقه عن كل خير، وقيل: من شاط لأنه مخلوق من
نار والأول أصح، قال سيبويه: العرب تقول:
تشيطن فلانُ إذا فعلَ فعل الشياطين، ولو كان
من شاط لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد
على الصحيح ولهذا يسمون كل متمرد من جني وإنسي
وحيوانٍ "شيطانا" قال تعالى{شياطين
الإنس والجن} وركب عمر برذوناً فجعل يتبختر
به، فضربه فلم يزدد إلا تبختراً، فنزل عنه
وقال: ما حملتموني إلا على شيطان لقد أنكرت
نفسي (رواه ابن وهب عن زيد بن أسلم عن أبيه
وإسناده صحيح)
و
(الرجيم) فعيل. بمعنى مفعول، أي أنه مرجومٌ
مطرودٌ عن الخير كما قال تعالى: {وجعلناها
رجوما للشياطين} وقال تعالى:{وحفظناها من كل
شيطان رجيم. إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب
مبين}.
|